رحلتي: الانسان قبل المعالج

من الحاضر في الموقف حقًا؟ ما الذي يجعلني، في لحظاتٍ بعينها، أصرف انتباه الآخرين بعيدًا عني، وأُخفي خلف ستارٍ ثقيل كل ما يمكن إخفاؤه؟ ما الذي يمنعني من أن أكون سيّد قراراتي والمتحكم الحقيقي بمجريات حياتي؟

ليست هذه الأسئلةُ مجرّد استفهاماتٍ عابرة تبحث عن إجاباتٍ محددة، فالسؤال بطبيعته يتوق لإجابة، وما إن يجدها حتى تنطفئ جذوته. أمّا هنا، فنحن أمام تساؤلاتٍ أشدُّ تعقيدًا وأكثر تمرّدًا؛ لأن التساؤل، على عكس السؤال، لا يسعى للحصول على جوابٍ نهائي، بل يطارد فهمًا أعمق، فهمًا يُعيد صياغة وجودنا في كل مرة نقترب منه.

هذا هو قدر كل من تثور في داخله أعاصير التساؤلات!

ذلك الإحساس بالحيرة والتردّد، الذي ظلّ يطاردني طويلًا وحاولتُ الهروب منه مرارًا، هو نفسه الذي علّمني كيف أختبئ خلف عباءة الكبرياء. لقد أحطتُ نفسي بألف سورٍ وحارس، وتماهَيتُ مع وجوه الآخرين، حتى تلاشت ملامحي، وغابت صورتي عن عينيّ. صرتُ غريبًا عن ذاتي، فلا أعثرُ على نفسي حين أبحث عنها. كلّ ذلك لم يكن سوى محاولةٍ لتجنُّب مواجهة ذلك الشعور القاسي، الذي يُذكّرني دائمًا بضعفي البشري.

ومع ذلك، بقيت في داخلي جذوةٌ خافتة؛ خافتةٌ ولكنّها عنيدة، لا تنطفئ كما تنطفئ الأسئلة العادية. هي جذوةُ التساؤلات الكبرى التي لا تزال تؤرقني:
«من أنا حقًا؟» «ماذا أريد؟» «لماذا أنا هنا؟» «ولماذا أفعل ما أفعل؟»

أؤمن أن كل شخصٍ يطلب الاستشارة يحمل بداخله عالمًا فريدًا من التجارب والخبرات، يدعوني للدخول معه في رحلة عميقة من الفهم والاستكشاف.

ساعدتُ العديد من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات شخصية مُزمنة مثل القلق والاكتئاب. وأعمل بشكل متخصص مع البالغين الذين مرّوا بصدماتٍ نفسية، ويعانون من صعوبات في علاقاتهم مع الآخرين، أو يواجهون تحديات مرتبطة بالهوية، كالشعور بالذنب أو انخفاض تقدير الذات.

أعلم أن رغبتنا في الاختباء تزداد كلما فكّرنا في مواجهة أشباح الماضي. لكنّي أعلم أيضًا أن هذه المواجهة، رغم صعوبتها، قد تكون الخطوة الأولى نحو التحرر الحقيقي.

قد لا تكون قراءتك لهذه الكلمات مجرد صدفة.
ربما هي إشارة خفية تدعوك لبدء رحلتك الخاصة؛ الرحلة التي ستكتشف فيها كيف أثّرت تجارب الماضي على نظرتك لنفسك، وطريقتك في الحياة، وأساليب تفاعلك مع الآخرين.

ربما حان الوقت أن تخطو خطوتك الأولى نحو ذاتك الحقيقية.