لطالما تجنبت الكتابة حول المفهوم والسؤال «من أنا؟»
هذا الحوار الذي يربك بحيرة هدوئي، ويعصف أغصاني.
خاصة أنني لم أكن أعرف ماذا أعني بـ “أنا”.
فأنا لم أكن استثناءً بين جموع التائهين.
طالما بقي هذا السؤال الوجودي دون اجابة تملئ الفراغ
الذي تحدثه ولادته في عقل الإنسان.
فمنذ أن نُحت على معبد أبولو عبارة: (إعرف نفسك!) وتُركت دون تكملة!
كان في ذلك دلالة أنه قد كمن هنالك أحد أهم التحديات الانسانية. وهو المفهوم المعقد والمستمر في النمو والتعقيد والمسمى الهوية.
فالهوية متجددة ومتغيرة وغير ثابتة, فأنا اليوم لست أنا بالأمس ولن أكون أنا بعد عشر سنوات. اضافة الى أي جزء يحدد من “أنا” هل هو العقل، النفس، الجسد، الشخصية، أم بعضها أم كلها مجتمعة!!
إن رحلة البحث عن الذات تبدأ مبكرا جدا لكننا نتوه عندما نبدأ بمطاردة أحلام الآخرين ونبذل أنفسنا في سبيل تحقيق توقعاتهم وما يأملونه كي نحظى بلحظة من الرضا غير الحقيقي الذي ما يلبث أن يتلاشى مع توقعات وآمال جديدة فُرض علينا السعي خلفها. إن هذا الركض الحثيث يأخذنا بعيدا عن الغاية من وجودنا في هذه الحياة، فبجانب “وماخلقت الجن والإنس الا ليعبدون” هناك عمارة الأرض. فبأي شكل من أشكال عمارة الأرض ستكون رسالتك ومهمتك الخاصة أيها الإنسان؟
إنني خلال رحلتي الى الداخل كان يجب علي أن أرحل إلى الخارج. كان يجب علي أن أرحل بجسدي وعقلي بعيدا عن أحلام الآخرين وعن توقعاتهم. إنني في هذه الرحلة لم أكتشف شيئا غير مسبوق ولم أصل إلى نظريات تغير شكل الأرض أو لون السماء لكنني وصلت الى قناعاتي الخاصة التي تناسبني “أنا”. والأهم من ذلك كله أنني وصلت اليها بطريقتي “أنا” وبالطريقة التي تلائم تكويني الذهني والنفسي والجسدي. وهذه القناعات ليست أدوات سحرية بل هي أمور قابلة للتغير لكنها تجعلني في حالة من الاستقرار والاحساس بالرضا الداخلي والسلام الروحي وقبول الآخرين باختلافاتهم. بل إن هذه القناعات تسمح لي أن أرى جمال هذه الاختلافات وقوتها في بناء الحضارة الانسانية. إن الإنسان مجرد كائن بسيط في هذا الملكوت الكبير لكننا لن نستطيع ادراك ذلك حتى يمكننا أن نحرك أعيننا بعيدا كي نرى هذه الأبعاد الكونية. إن هذه الرحلة لم تنته بعد ونحن ما زلنا مرتحلين ولكن لكلٍ منا وجهته الخاصة وما زال السؤال شاخصا “من أنا؟”
أنا رَوح من رَوح الله