لطالما تجنبت الكتابة حول المفهوم والسؤال «من أنا؟»
هذا الحوار الداخلي الذي يُربك هدوئي ويعصف بأغصاني، يفتح أبوابًا لا نهاية لها من الحيرة والبحث. لم أكن أعرف حقًا ماذا أعني بـ”أنا”. كنت، ولا زلت، جزءًا من جموع التائهين، أولئك الذين يواجهون هذا السؤال الوجودي الذي يترك فراغًا عميقًا في العقل والروح، فراغًا لا يمتلئ بسهولة.
منذ أن نُحتت العبارة الشهيرة على معبد أبولو: “اعرف نفسك”، وتُركت بلا إجابة، كان في ذلك إشارة إلى أحد أعظم التحديات الإنسانية. وهي الهوية. هذا المفهوم المعقد، المتجدد دائمًا، الذي ينمو ويتغير باستمرار. الهوية ليست ثابتة، بل هي كيان متحرك. فأنا اليوم لست ذاتي بالأمس، ولن أكون أنا بعد عشر سنوات. لكن ما هو الجزء الذي يحدد هويتي؟ هل هو العقل؟ النفس؟ الجسد؟ الشخصية؟ الأفكار؟ المشاعر؟ أم مزيج غامض من كل هذه العناصر؟
إن رحلة البحث عن الذات تبدأ مبكرًا جدًا في حياة الإنسان، لكنها غالبًا ما تضِل طريقها عندما نبدأ بمطاردة أحلام الآخرين. نُهدر أنفسنا في سبيل تلبية توقعاتهم، ونركض خلف رضاهم، لنحظى بلحظة عابرة من القبول الزائف. هذا الرضا، مهما بدا مُرضيًا، يتلاشى سريعًا، ليُستبدل بتوقعات جديدة، وآمال أخرى تُفرض علينا. وهكذا، نجد أنفسنا في سباق لا ينتهي، نبتعد فيه عن جوهرنا، وعن الغاية الحقيقية من وجودنا. ولكن ما هي مهمتي الخاصة؟ كيف أجد مكاني وسط هذا الكون الشاسع؟
إنني خلال رحلتي الى الداخل كان يجب علي أن أرحل إلى الخارج. كان يجب علي أن أرحل بجسدي وعقلي بعيدا عن أحلام الآخرين وعن توقعاتهم. إنني في هذه الرحلة لم أكتشف شيئا غير مسبوق ولم أصل إلى نظريات تغير شكل الأرض أو لون السماء لكنها كانت رحلة نحو قناعاتي الخاصة، تلك القناعات التي تناسبني أنا. والأهم من ذلك، أنني وصلت إليها بطريقتي الخاصة “أنا”، بالطريقة التي تلائم تكويني النفسي والذهني والجسدي.
إن هذه القناعات ليست حقائق مطلقة، وليست أدوات سحرية. إنها مرنة، وقابلة للتغير. لكنها تمنحني استقرارًا داخليًا، إحساسًا بالسلام النفسي، وقبولًا للآخرين كما هم. بل أكثر من ذلك، لقد أصبحت أرى جمال الاختلافات بيننا، وأدرك قوتها في بناء الحضارة الإنسانية.
في هذا الملكوت الشاسع، يصبح الإنسان مجرد كائن بسيط. لكننا لا ندرك بساطتنا إلا عندما نُبعد أعيننا عن أنفسنا، لنرى الأبعاد الكونية التي تحيط بنا. إن هذه الرحلة لم تنته بعد ونحن ما زلنا مرتحلين ولكن لكلٍ منا وجهته الخاصة وما زال التسؤال شاخصا “من أنا؟”
أنا رَوح من رَوح الله