الحياة مليئة بالجمال والسعادة وهي أيضا مليئة بالمفاجئات والمواقف الصعبة والمحظوظ هو من يستطيع أن يعيش اللحظة السعيدة ويتجاوز اللحظات الحرجة، وما يهمنا هنا هو التركيز على هذه اللحظات التي في مقدورها تغيير مجرى حياتنا بالكامل، وسوف أتحدث الآن عن موقف قد يحدث لك مستقبلاً، كي تستطيع من خلاله التحكم في تلك اللحظة قدر المستطاع.
حينما تشعر بالضغوط أو التوتر، حاول أن تتوقف لبرهة ثم لاحظ، بماذا تفكر، أو ما الذي يشغل بالك في هذه اللحظة!! سوف تتفاجأ بكمية الأفكار السلبية التي تملأ رأسك.
إن هناك علاقة وثيقة بين ما نفكر به وما نشعره وما نحسه، فعلى سبيل المثال: عندما تواجهنا مصاعب الحياة وتحدياتها ونشعر بالإحباط فإن أفكارنا تميل لأن تكون أفكارًا درامية وعامة.
مثلا: “أنا إنسان غير نافع”، “لا أحد يحبني” و “لا أستطيع أن أفعل شيئًا صحيحًا”.
في علم النفس، تسمى هذه الأنواع من الأفكار بـ “التشوهات المعرفية أو الذهنية أو الادراكية” وهي عبارة عن طريقة تفكير “نموذج إدراكي أو آلية تفكير” خاطئة تجعل الشخص يفسر أي موقف يحدث أمامه تفسيرًا خاطئاً “مشوهًا” وبالتالي فإن ردة فعله “السلوك” سوف تكون غير مناسبة لطبيعة الموقف، بصيغة أخرى هي طريقة تفكير تجعلك لا ترى الحقيقة كما هي على الرغم من تأكدك من ذلك.
تنويه: هذه الطرق والنماذج الإدراكية تتواجد في مستوى اللاشعور للفرد، أي أنه لا يتنبه بوجودها، فهي جزء من النظام الذهني له، وهو يظن أنه يملك تفكيرًا طبيعيًا، لكنه دائمًا ما يتفاجأ بالنتائج غير السارة التي يحصل عليها في حياته، واكتشاف هذه الأفكار ليس بالأمر السهل وليس بالأمر الصعب وقد يحتاج في كثير من الأحيان إلى تدخل المختص أو المعالج النفسي.
ما الذي يجعل فهم التشوهات المعرفية أمرًا مهمًا؟
يمكن أن نجمل الأهمية في النقاط التالية:
-
- وجودها لدى الشخص يعني أنه لا يستطيع الحكم على الأمور بطريقة صحيحة.
-
- هذه التشوهات تنحدر بمستوى جودة الحياة وتجعلها أكثر صعوبة.
-
- هي أحد أسباب اضطرابات القلق والمزاج إذا لم يتم التعامل معها مبكرًا.
-
- هذه التشوهات تجعل لدى الأشخاص انخفاض في تقدير الذات، عدم إحساس بالأمان وعدم ثقة بالنفس.
-
- كل القرارات وردود الأفعال الناتجة تكون قرارات غير سليمة غالبًا لأنها مبنية على أفكار خاطئة.
كيف تتشكل هذه التشوهات؟
تبدأ كحلقة سلبية صغيرة وتواصل النمو حتى تصل بالشخص إلى حالة مزاجية سيئة، ثم ينتهي به الشعور أنه في متاهة ولا يمكنه الخروج منها.
هذه الفكرة تؤثر على مشاعرك وحواسك الجسدية، ثم تظهر النتيجة في السلوك، سلوكك المبني على الفكرة السابقة يقوم بتحريض الفكرة التالية ومن ثم تستمر الدائرة من جديد.
بالطبع إنه إذا كانت الفكرة سلبية سوف تقود الحلقة لتكون أكثر سلبية كما هو موضح في الشكل أدناه…
في الشكل السابق حلقة معرفية مشوهة: هي (فكرة خاطئة) مثل “لا أحد يُحبنى” من الممكن أن يعنى ذلك أنك قد بدأت تشعر بالقلق والشعور بالشك بنفسك والآخرين (مشاعر)، والذي ما يؤدي إلى التعرق وخفقان بالقلب (أعراض جسدية)، وتكون النتيجة بأنك تريد الانسحاب عن الآخرين (سلوك)، مما يؤدى إلى شعورك بأنك منبوذ وغريب وهو ما يُنتج لديك فكرة خاطئة وسلبية جديدة، مثل “هناك شيء خاطئ في حياتي”، ثم يتبع ذلك مشاعر وأعراض جسدية وسلوك من نفس النوع وتبدأ حلقة سلبية جديدة، ويستمر الشعور بالمتاهة.
ما هي الأفكار المشوهة والخاطئة؟
من الجيّد أنه عندما تقرأ عن هذه الأفكار سوف يكون من السهل إدراك إن كنت تملك بعضًا منها، والمفيد في الأمر أنك تستطيع تفسير كثير من الأمور الغامضة في حياتك، كنت لا تجد تفسيرًا لها.
وهذه الأفكار هي…
1- الانتقاء الذهني
هو طريقة تفكير تجعلك تركز على أكثر الأجزاء سلبية ً وإزعاجاً فيما يتعلق بموقف ما، مع تجاهل كل النقاط الإيجابية الأخرى.
مثال: تقوم بإلقاء عرض تقديمي في العمل والذي نال استحسان وإشادة حوالي ٩٥٪ من الحضور – لكنك تركز أكثر على ٥٪ من ردود الأفعال التي وجَهت بأنه كان بإمكانك أداء أفضل من ذلك.
وهذا يجعلك مقتنعاً بأنك لم تقم بعملٍ جيد، ثم تقرر بعد ذلك عدم المشاركة في أي عرض قادم، بينما لم تسمح لنفسك بالاستمتاع بالنتائج الإيجابية الأخرى.
2- عدم الاستحقاق
وهي طريقة تفكير تجعل الشخص يستبعد الأمور الإيجابية ويظن أنه لا يستحقها من خلال تهميشها أو تجاهلها أو تحقيرها.
مثال: صديقتكِ تثني على أناقتك لهذا اليوم، بينما أنت تتجاهلين هذا الإطراء، مبررةً “أن صديقتي تحبني لذلك تراني جميلة”، أو “أن صديقتي تقول ذلك لأنها لطيفة جدًا، بينما لم تعطي نفسك فرصة لتصديق ذلك.
3- “الكل أو لا شيء”
هي طريقة تفكير حدية تجعل الشخص في حالة متطرفة ولا يميل للوسطية، ولعل من أشهر المصطلحات الدالة على أن الشخص يملك هذه الفكرة هي عندما نسمع “يا أبيض يا أسود” ومن المصطلحات أيضًا “كل”، “دائمًا”، و”أبداً”. فكل شيء يُرى إما جيد أو سيئ، إما نجاح أو فشل.
مثال: إذا حصلت على نسبة ٨٠٪ في اختبار ما، سوف تشعر بأنك فشلت في ذلك لأنك لم تحقق الدرجة الكاملة، علمًا أن ما حصلت عليه يعتبر جيداً جدًا.
4- المبالغة في التعميم
هي طريقة فى التفكير تجعل الشخص الذي مرّ بتجربة فاشلة أو مؤلمة، يحكم على أن كل التجارب القادمة سوف تكون فاشلة أيضًا.
مثال: تشاهد شخصًا يظهر في إحدى البرامج التلفزيونية ودائم التبجح ولا يحترم المشاهدين، فإنك سوف تحكم على كل الأشخاص الذين يشبهونه، أو لهم نفس نبرة الصوت، أو من نفس الجنسية بأنهم لا يحترمون الآخرين، بينما أن هذا تعميم غير واقعي حيث أن كل شخص يمثل نفسه فقط.
مثال آخر: شخص فشل في حياته الزوجية فإنه سوف يتبادر لذهنه أنه لن يجد شريكًا لحياته، رغم أن الحياة لم تنتهي ومازالت مستمرة.
5- القفز إلى الاستنتاجات
وهي طريقة تفكير تجعل الشخص يقفز مباشرة إلى “الاستنتاج” وغالباً ما يكون توقعاً سلبياً حتى لو لم يكن هناك دليل لدعم هذه الاستنتاجات، غالباً ما يتشكل هذا النوع من التفكير عندما نفكر “بماذا يشعر الأخرون نحوي!”
ويظهر بشكلين:
١- قراءة الأفكار وهو افتراض غير صحيح لأفكار ونوايا الآخرين.
٢- التكّهُن وهو توقع الشيء السيئ والتحدث حوله قبل وقوعه.
مثال: عندما تكون فى حفل ما وأنت ترتدي شيء لا تحبه فتُقرر أن الجميع يسخرون منك “قراءة أفكار”، بينما لا تملك أي دليل يثبت أفكارك.
مثال آخر: أنت ذاهب لأداء اختبار القيادة وأنت جازم أنك ستفشل بالاختبار (التكّهُن)، وأيضًا لا تملك أي دليل يدعم هذا التوقع.
6- التفكير الكوارثي أو توقع الأسوأ
هي طريقة تفكير تجعل الشخص يبالغ في التوقعات السيئة، وعندما يفكر بشكل كارثي، فإنه لا يستطيع أن يرى أي شيء قادم باستثناء الأسوأ. ومع ذلك فإنه ليس من المحتمل أن تأتى هذه النتيجة.
مثال: ابني قد تأخر في العودة إلى المنزل، لا بد أن مكروهًا أصابه، لا يرد على اتصالاتي، بالتأكيد في المستشفى، حادث، سرقة، مصيبة وهلم جرا، علمًا أنه في كل مرة يتكرر نفس السيناريو ولا يحدث ما يزعج.
7- الإحساس الزائد بالمسئولية
هي طريقة تفكير تجعل الشخص يحس دومًا بأنه المسؤل عن أي خطأ يقع حتى لو لم يكن له أي علاقة به، ويتبع هذا شعورًا بالذنب أو التقصير وما إلى ذلك من أحاسيس تجعل الشخص دومًا يلوم نفسه.
مثال: ابنك وقع في المنزل وتأذت يده، سوف تلوم نفسك وتشعر أنك المسؤل رغم أنك لم تكن موجودًا بالمنزل عندما حدث ذلك ولكن حدث هذا عندما كنت ذاهب للتسوق، أفكارك تتمحور حول “لو لم أكن بالخارج، لم يكن ذلك ليحدث” أو حتى “ربما عندما أتيت للمنزل سمع صوتي وأتى مستعجلًا وتأذى” حتى وإن كان كل هذا غير حقيقي أو واقعي.
8- الوجوب واللزوم
هي طريقة تفكير تُكسب الشخص نظرة صلبة تجاه نفسه والآخرين بأنه “يجب”، “ينبغي” و”يلزم” أن يفعلوا كذا وكذا، وهذه الآراء الجامدة أو القواعد من الممكن أن تولد شعور بالغضب، الإحباط، الاستياء، خيبة الأمل والشعور بالذنب إذا لم يتم تحقيقها.
مثال: أنت لديك فكرة “يجب أن أنام ٨ ساعات” فإذا استيقظت قبل ذلك، حتى وإن كنت قد أخذت كفايتك فلن تستطيع الشعور بالراحة، لأنك قد ألزمت نفسك بمدة لم تكن في حاجتها.
9- الاستدلال العاطفي
وهي طريقة تفكير تجعل الشخص يستدل على الواقع من خلال ما يشعر به ويحسه، وبالتأكيد دون وجود دليل يدعم هذا الإحساس، وغالبا ما نسمع “أنا حاسس بكذا”، والتفكير بهذه الطريقة يجعلنا منحازين كثيرًا نحو ما نعتقد أنه صحيح دون التفكير بطريقة منطقية.
مثال: أنا أكره هذا، أنا لا أحب هذا، أنا أشعر بكذا، دون أن تعرف السبب، فقط هي مشاعر تتحكم بك دون معرفة السبب.
مثال آخر: “أنا أشعر أني لست جميلًا” هذا لا يعني بالضرورة إنه صحيحًا ولكنك قررت أن تتبع إحساسك ومن الممكن أن تتوقع عن شراء الملابس وتبدأ بإهمال نفسك.
10- الشخصنة
هي طريقة تفكير تجعل الشخص يظن أن كل ما يقال أو يُكتب فهو المقصود به
مثال: شخص يسخر من شيء ما، التفسير: سوف تظن أنه يقصدك حتى لو لم يكن هذا الشيء فيك بالأصل.
هل تعانى من التشوهات الإدراكية؟
إذا كنت قد أدركت أياً من من هذه الأنواع فى طريقة تفكيرك، فلا داعي للهلع ولا الإنكار، وكن على يقين بأن فهمك لنماذجك الذهنية وطريقة تفكيرك، يجعلك على الطريق نحو التغيير، حاول مراقبة متى وكيف تظهر هذه التشوهات الإدراكية، وفى أى المواقف تحدُث، وإذا شعرت أن هذه الأفكار أصعب من أن تتغلب عليها وحدك، فأنصحك بالعمل عليها مع المعالج النفسي.
نشر في موقع آراجيك في 2017/01/29